ما معنى قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]؟ على ظاهر الآية، الإلحاد: الميل عن الحقِّ، يُقال: "ألحد" إذا مال، ومنه تسمية اللَّحد في القبر؛ لأنه في الجانب الذي في جهة القبلة، سُمِّي: لحدًا، والملحدون هم الذين مالوا عن الحقِّ والصواب إلى الكفر والضَّلال، أو إلى المعصية. فالملحد في الحرم: هو العاصي والكافر، فمَن همَّ فيه بإلحادٍ بظلمٍ فهو متوعَّدٌ بالعذاب الأليم، ولهذا قال: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ ، يُرِد: مُضمن معنى: يهمّ ويقصد، فإذا همَّ بالإلحاد فله الوعيد، فكيف إذا فعل؟! إذا كان مجرد الهمّ يستحق به الوعيد، وإذا فعل ذلك كان أشدَّ وأخطر وأعظم. والإلحاد يشمل المعاصي وأنواع الكفر: الزاني في الحرم مُلحد، والمغتاب مُلحد، والنَّمَّام في الحرم ملحد، والذي يدعو غير الله مُلحد أعظم إلحادٍ، والذي يُرابي في الحرم مُلحد، والذي يعقّ والديه مُلحدٌ، والذي يقطع رحمه مُلحدٌ، وهكذا سائر المعاصي، لكن تتفاوت، الإلحاد يتنوع، بعضه أكبر من بعضٍ -نسأل الله العافية. س: هو يسأل: الضمير "فيه" الحرم: المسجد أو الحرم؟ الشيخ: الحرم كله، جميع الحرم، ما هو المسجد، جميع الحرم.
قال الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، ما معنى الإلحاد هنا؟ وهل المقصود به في المسجد الحرام فقط أو في الحرم؟ المقصود الحرم؛ لأنَّ كله يسمى المسجد الحرام، والإلحاد هو الميل، يقال: ألحد: مال، ومنه تسمية اللَّحد في القبر؛ لأنه يميل إلى الجهة القبلية، فالإلحاد هو الميل عن الحقِّ، ولهذا قال بعده: بِظُلْمٍ إيضاح، بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ، والظلم يشمل الشرك، ويشمل المعاصي، فالشرك يُسمَّى: ظلمًا، كما قال : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقال سبحانه: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، وتُسمَّى المعاصي أيضًا: ظلمًا، ويُسمَّى العدوان على العباد: ظلمًا، اتَّقوا الظلم، فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة ، فمَن أراد فيه المعصية دخل تحت هذه الآية وإن لم يعملها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فهذه الآية الكريمة مخصِّصة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة) الحديث ، وعليه: فهذا التخصيص لشدة التغليظ في المخالفة في الحرم المكي ، ووجه هذا ظاهر. ويحتمل أن يكون معنى الإرادة في قوله ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ) العزم المصمم على ارتكاب الذنب فيه ، والعزم المصمم على الذنب ذنب يعاقب عليه في جميع بقاع الله مكة وغيرها. والدليل على أن إرادة الذنب إذا كانت عزماً مصمماً عليه أنها كارتكابه: حديث أبي بكرة رضي الله عنه الثابت في الصحيح: (إذا الْتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) قالوا: يا رسول الله ، قد عرفنا القاتل فما بال المقتول ؟ قال (إنه كان حريصاً على قتل صاحبه) فقولهم: ما بال المقتول ؟: سؤال عن تشخيص عين الذنب الذي دخل بسببه النار مع أنه لم يفعل القتل ، فبيَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( إنه كان حريصاً على قتل صاحبه) أن ذنبه الذي أدخله النار: هو عزمه المصمم وحرصه على قتل صاحبه المسلم ، وقد قدمنا مراراً أنَّ " إنَّ " المكسورة المشددة: تدل على التعليل ، كما تقرر في مسلك الإيماء والتنبيه. ومثال المعاقبة على العزم المصمم على ارتكاب المحظور فيه: ما وقع بأصحاب الفيل من الإهلاك المستأصل بسبب طير أبابيل ( تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) لعزمهم على ارتكاب المنكر في الحرم ، فأهلكهم الله بذلك العزم قبل أن يفعلوا ما عزموا عليه.
والعلم عند الله تعالى. والظاهر أن الضمير في قوله ( فِيهِ) راجع إلى المسجد الحرام ، ولكن حكم الحرم كله في تغليظ الذنب المذكور كذلك ، والله تعالى أعلم" انتهى. " أضواء البيان " ( 4 / 294 ، 295). والله أعلم